كيف يحدث التسلط على الذات؟

التسلط على الذات يغذيه النقد المستمر والخوف من الفشل، لكنه ليس حقيقة، بل برمجة متراكمة يمكن التحرر منها وتجاوزها عندما ندرك مصدره ونستبدله بالرحمة والتقبل، ونمنح أنفسنا فرصة للنمو بسلام وثقة

الوعي الفائق

عبد النبي بكون

3/8/20251 min read

شخص يقف في ضوء مشرق، يبتسم لنفسه في المرآة، وقد أسقط عنه قيود النقد الذاتي، في تعبير عن التصالح مع ا
شخص يقف في ضوء مشرق، يبتسم لنفسه في المرآة، وقد أسقط عنه قيود النقد الذاتي، في تعبير عن التصالح مع ا


لكل زمان أزمته مثلما لكل أمة أزمتها ومثل ذلك للوعي أزمته وآفته، وقد أثار انتباهي أيها السادة المستفزون كيف يمكن للمرء بدعوى احترام الذات أن يسئ لنفسه ويؤذيها أكثر مما قد يفعل به أعداؤه، يخلط الكثيرون بين التسلط على الذات واحترام الذات بينما يظنون بأنهم يحسنون صنعا، إن تقدير الذات واحترامها ليسا مسألة أنانية مثلما قد يعتقد الكثير من المتحسسين من المسألة، بل هي مسألة أساسية في بناء شخصية المؤمن القوي المنيع وتحقيق توازنه الداخلي والخارجي، إن هذا أمر جيد وأكثر من رائع لكن ليس إلى حد التسلط على الذات فما يعنيه أن تكون سيدا لمصيرك ليس هو أن تبالغ في التحكم في تصرفاتك وتوجهاتك وتتبنى قرارات أكثر ما تأتي كرد فعل مغلف بالوعي وبالحكمة وبدعوى التحقق، بينما هي تعبر حقيقة عن قلة احترام لذاتك واستخفافك بقدراتك بينما يمكنك قبول نفسك بما أنت عليه الآن واختيار وجهتك دون تقييد أو تشويه لذاتك

إن التسلط لم يكن يوما تعبيرا حقيقيا عن القوة، بل هو هزيمة داخلية تكشف إلى أي مدى يفتقد المتسلط القدرة على التحكم في حياتك أو فيما ولي شأنه وهو لن يكون شرفا أبدا مهما ألبس من قيم وادعاءات نبيلة، ولأن الأنا عاجزة عن التعامل مع المسألة كما ينبغي فإنها تختار السبيل الذي يتم من خلاله بشكل غير واع تكريس حالة التسلط والعجز تلك، كأن تتم المبالغة في مسألة الاستحقاق والمبالغة في تبني أهداف عالية القيمة بدعوى الاستحقاق العالي حتى وإن شكل الأمر تشوها في الحقل الطاقي للمرء

إن احترام الذات الحقيقي تعبير لطيف وتقدير صادق للقوة الإلهية الممنوحة لنا لنتحقق في أفضل احتمالاتنا، وعندما نتقبل هذه الهبة مع احترام لحظات الضعف والعجز لدينا لن نكون مضرين للتسلط على أنفسنا أيا كانت الديكورات المزيفة التي تحاول من خلالها الأنا تزيين مشهد مفبرك

أيها السادة، إن الولاء الذي تحدثنا عنه فيما مضى لا يعني البتة التسلط أيا كان ما تواليه وأيا كانت القيم التي تتبنى التسلط لأجلها، وإنما يعني تخلية النفس من أطماعها وجشعها وحاجتها للضمان والهيمنة والسطو والتسلط، ويعني أيضا تجريد رغباتنا وأهدافنا من القدرة على ممارسة سطوتها وتسلطها علينا، ففي النهاية سيكون لنا ما نريد وأفضل بالتوافق مع اللطف والحلم بأنفسنا فلا ننزلها منازل السافلين، فلم يا ترى قد نسمح لما كان يمكن أن يكون عامل رفعة عنصر هدم بينما نحن هنا لاختبار تجربة التنعم؟