ثلاث قواعد للاتصال بالذات

الاتصال بالذات هو أساس الوعي والتحول الشخصي، لكنه يتطلب فهما عميقا لبعض المبادئ الجوهرية، في هذه المقالة، سنستعرض ثلاث قواعد أساسية تساعدك على التواصل بعمق مع ذاتك

حب الذات
حب الذات

إن الاتصال بالذات رحلة مهمة وعميقة نحو فهم وتحسين الوعي الشخصي، وهو يعبر عن استعداد الفرد للتطوير من طبائعه وقيمه وأهدافه بصدق، وذلك بالتأكيد يسهم في تطوير علاقته مع نفسه، لأن الاتصال بالذات أساس متين للنمو الشخصي والتحسين المستمر، إذ يساعد في فتح أفق الفهم للمشاعر والأفكار الواردة على المرء

في عالم متسارع ومليء بالتحديات، يكمن قوة الاتصال بالذات في تمكين الفرد من الآليات التي تساعده على التعامل مع التحديات بثقة وفهم أعمق لما يحتاجه ويرغب في تحقيقه في حياته، وتأتي هذه المقالة لتساعدنا في هذه المهمة

النزاهة مع الذات:

تقتضي النزاهة مع الذات أن تكون لديك معرفة قوية ومتينة ووعي بالقيم العليا لديك، لكن يبقى السؤال هو ما القيم العليا لديك؟ هل تعرف قيمك العليا؟

لنقل أنها المحركات التي تجعلك تقوم بما تقوم به وتفعل ما تفعله، كأن تغضب مثلا حين يتأخر عنك صديق أو عميل في موعد ما مهما كان تصنيفهن إن ما يجعلك هنا تتفاعل مع هذا الموقف بهذا الشكل هو وجود قيمة الانضباط أو قيمة الالتزام ولربما الاحترام، وفي نفس الموقف مع تفاعل مختلف تماما ورد فعل كذلك مختلف تماما وكلية عن الأول كأن تتصرف بهدوء وبرودة هنا قد تكون لديك قيم مثل المرونة أو الصبر أو التفهم...

بمعرفتك القيم العليا لديك والأولوية فيها لمن تكون متحررا من كل ما يمكن أن يطعن في النزاهة الذاتية لديك، لا أتحدث هنا عن بينك والناس ولكن عنك أنت وذاتك العظيمة، ليس هذا وحسب بل إن الوعي بالقيم العليا لديك يحررك من القيم المتضاربة والتي قد تشكل عقبات صعبة في مسارات حياتك، وذلك كأن تكون لديك قيمة الحب وقيمة الالتزام، فما الذي يحدث في حالة المثل الذي ضربنا أعلاه؟

ما سيحدث هو أنك حين تتعامل بعصبية فأنت تلغي قيمة الحب، وحين تتعامل بهدوء مستحضرا قيمة الحب فأنت هنا تلغي قيمة الالتزام، الحقيقة أن هذا الإلغاء اللاواعي لأحد تلك القيم يشعل حربا ضروسا بينها وأرض هاته الحرب بطبيعة الحال هو واقعك

الحل:

مثلما سبق الذكر فالوعي بقيمك العليا وتراتبيتها هو الحل الأمثل لتفادي كل تصادم يمكن أن يحدث في واقعك، وكذا التحرر من كل تلك القيم الغير مهمة والتي يمكن أن يحدث وجودها خللا في سيرورة حياتك الخاصة وبالتالي التأثير على نزاهتك الذاتية

من الجميل أن تكون لديك صورة واضحة لما أنت عليه، ويبدأ ذلك حقا بالوعي بالقيم العليا لديك، لكن تذكر دوما أن ما يمكن قوله عنك فهو كذلك بحق الآخرين، أعتقد أن هاته الإشارة البسيطة ستريحك كثيرا إذا استقبلت عمقها

القيمة المضافة:

مهما كان ما تقوم به ومهما كان ما يبدوا عليه من قوة فهو بلا معنى إذا ما كان مجردا من القصد، والأمر هنا متعلق بالإسهام والعطاء، بعبارة أخرى كيف يتحقق الإسهام والعطاء فيما تقوم به؟

فالكون كله يعمل من خلال مبدأين أساسيين وهما التطور والعطاء، وأنت حين تدرك هاته الحقيقة وتعمل على تفعيلها في واقعك تكون قد اخترت الانسجام مع النية العظمى، فكيف يحدث ذلك؟

لنقل أن لدينا طبيبا أسنان، واحد يفتتح عيادته ليحصل على عشرين زبونا في اليوم الواحد، والثاني يفتتح عيادته بنية مساعدة عشرين زبونا على التحرر من الألم أو معالجة أمراض الفم واللثة

طبعا سيتبادر إلى ذهنك سؤال الفرق بينهما، وأقول هناك بون شاسع بين كليهما، فنية الأول منحصرة في الحصول على رقم مالي آخر اليوم، في حين أنك تجد أن نية الثاني أوسع وأكبر من ذلك

إنها مليئة بالرحمة والصدق والكرم وأكثر من ذلك فضلا عن الربح المادي المبارك، مثل هاته النية يحصل أن يجتمع فيها ما يربحه الشخص بذاته وما يربحه معه الكثيرون بدءا بالأقربين ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم إلى أبعد من يمسه أثر هذا العطاء، وكل ذلك يحدث بحضور المعية الإلهية بشموليتها

الصوت الداخلي:

يحدث الاتصال بالصوت الداخلي حين يتحقق التوافق والانسجام بين الجسد والعقل والقلب والروح، فتصير مكوناتك الأربعة تعمل لأجلك في توافق وتناغم بينها، وليس أن يعمل كل جزء منك لحاله، أو يشعر جزء منك أنه مهمش أو مستهدف، حين يتحقق التوازن بين هاته الأربعة والتوافق فيما بينها سيحدث أن يكون هناك اتصال بالصوت الداخلي، هذا الاتصال الذي يجعلك تحيى حياتك بكل يسر وليس بمشقة، لذلك يظل صوتك الداخلي يرشدك ويلهمك من خلال الكثير من المواقف والأحداث والمشاعر والأفكار إلى أن يتحقق ذلك فيصبح لديك تناغم بين موهبتك وما تقوم به، فلا يكون في داخلك ما يكدر صفوك ويعكر عليك مزاجك أو يشغل بالك من هم وأحزان وغيرها من المشاعر الغير متناغمة ومنسجمة معك

وما سيحدث إذا لم تنتبه هو أنك ستبقى تكرر نفس السيناريوهات والمواقف وستهجم عليك أفكار وقناعات ومعتقدات من النوع الذي يقهرك ويضعفك ما دمت في غفلة

الخاتمة:

من خلال المسار التعلمي الذي خضته وما زلت فيه، ومن خلال كل تلك الحالات التي تعاملت معها من خلال حصص الاستشارات والمصاحبة وجدت أنه كلما اقترب المرء من الذات اللامحدودة كلما ازداد خفة وتحررا من كل تلك الأحمال الوهمية التي يحملها

أعتقد أن منحك لنفسك المزيد من الوقت هو أمر مستحق كما الاتصال بالذات اللامحدودة، لا أعتقد قطعا أن الأربعة والعشرين ساعة التي لديك في اليوم قد وجهت لشيء آخر غير ذلك