كيف أمارس التقبل؟

ممارسة التقبل تبدأ بالوعي الذاتي، وفهم أن الحياة مليئة بالتغيرات، يتطلب الأمر التحرر من الأحكام، والانفتاح على التجارب والمشاعر دون مقاومة، مما يعزز السلام الداخلي والتوازن

عبد النبي بكون

صورة تعبر عن التخبط
صورة تعبر عن التخبط

كثيرا ما ذكرت المعاناة في كتاباتي ومقالاتي التي تصب في مجال الوعي وتطوير الذات، وذات يوم طرح علي سؤال حول اذا ما كنت أرفض وجود المعاناة أم أدعو الى تجنبها أم ماذا؟

في الحقيقة ومن خلال رحلتي التعلمية الخاصة سواء من معلمي أو من واقعي الشخصي ثم واقع كل تلك الحالات التي اشتغلت عليها تعلمت أن التركيز على المعاناة يجذب المزيد منها، وأن محاولة تجنب المعاناة ورفضها أو تفاديها لهي معاناة بحد ذاتها، وهو أمر يحمل في طياته واحدة من الرغبات المدمرة التي ذكرتها في كتابي الطريق الى الوعي وتطوير الذات، وهو موضوع مهم لكل من يعمل على تطوير ذاته ويمكنك مراجعته في الفصل الأول من كتابي

يبقى السؤال المطروح إذا هو: ما الحل؟

إن بين أيدينا واحدا من أعظم آليات ممارسة الوعي، أتحدث هنا عن التقبل، فممارسة التقبل في صوره المتعددة أكثر ما يساعد المرء على تجاوز النكبات وكل آلامه والتحرر منها بكل يسر، فماهي صور التقبل تلك وكيف نحققها فينا؟

تقبل المعاناة:

مثلما سبق الذكر به في العديد من المقالات والدورات التدريبية التي قدمتها وحتى في روايتي السمن الحايل في جزئها الأول تم الحديث عن تقبل المعاناة وعن النتائج العظيمة التي حققها ذلك في واقعي

لقد علمتني صفوف التعلم في الحياة أن مقاومة المعاناة ورفضها تجلب علي المزيد منها، وذلك على عكس تقبل وجودها الذي يسهل على الانسان عملية التحرر منها، فالاعتراف بحق المعاناة في الوجود وتقبل ذلك هو عملية شفاء ذاتي يمارسها الانسان للخروج من قوقعته

وحدها التجربة تؤكد ذلك وتثبته لك ذلك، خذ ما شئت من المشاعر التي تنتابك ثم توقف عن الحكم عليها والتفاعل معها واكتف فقط بمراقبتها مع منحها الاعتراف بحقها في التواجد، ستجد أنها تبدأ في الاختفاء شيئا فشيئا، وكلما عادت إليك كانت أكثر ضعفا وتأثيرا عليك وكنت أنت أكثر قوة وتحصينا من الانفعال والتفاعل مع أي شيء

تقبل التجارب الجاذبة للمعاناة:

كل المشاعر المتولدة لديك والمرتبطة بالمعاناة هي وليدة لكل تلك التجارب الجميلة والسيئة بالنسبة لك في الماضي، وحتى التي في الحاضر فهي وليدة لتلك التي في الماضي، ولتتحرر من كل تلك المشاعر أنت بحاجة لتقبل تلك التجارب الماضية، وتقبل أنها مجرد نسخة ماضية منك وكان الأولى أن تكون منفصلة عن حاضرك وليس أن تكون مؤثرة وفاعلة فيه

تقبل الماضي بجميله وسيئه والكف عن التمسك والتشبث به وبكل تلك التجارب بما لها وما عليها يمنحك قوة وتحصينا عظيما ومناعة لك من كل ما يمكن ان يضعفك ويمنحك أيضا القدرة على التحرر من كل مشاعر المعاناة والتجارب المكررة الجاذبة لها في واقعك الداخلي والخارجي

تقبل مقاومة التحرر من المعاناة:

قد يحدث أن تقاوم عملية التحرر من المعاناة وقد يحدث أيضا أن تقاوم عملية تقبل المعاناة، لا بأس في ذلك فقط اسمح لكل ذلك بالحدوث ولا ترتعب منه أو تخش شيئا، فهو أمر من العادي أن يحدث معك ولا ضير فيه بل أن انتباهك له وتقبل مقاومة التحرر ومقاومة التقبل يسرع من عملية التقبل والتحرر ذاتيا، لا شيء يمكن أن يساعدك أكثر من ان تمارس الإغراق، وهو ما تقوم به هنا حين تقاوم التحرر تتقبل تلك المقاومة، وحين تقاوم التقبل تتقبل تلك المقاومة وتتقبل مقاومة تقبل مقاومة التقبل وكذلك في التحرر، سيبدو لك الموضوع لحظة ممارسته كلعبة تدعوا للسخرية وهي كذلك لكنها عملية تسهل ممارستها مع المران، وكلما كثرت ممارستها حدثت عمليات التقبل والتحرر بشكل أفضل

تقبل التحرر من المعاناة:

مما يحدث أيضا أن المرء قد يبقى بشكل لا واعي متشبثا بالمعاناة رغم ما قد يبدوا عليه من حرص وسعي للتحرر منها، لكن هذا هو ما يحدث حقا معك وذلك لأسباب عدة قد سبق الحديث عنها في المقالات السابقة، لذا دعني هنا أخبرك بما عليك القيام به وهو أمرين أساسيين، أولهما تقبل هذا التشبث اللاواعي والاعتراف به ثم التحرر منه قبل المرور لعملية تقبل التحرر من المعاناة لأنها لا تنجح أبدا ما لم يتم الاعتراف بكل الذي سبق، ولا تنجح عملية التحرر من المعاناة أيضا بدون السماح بحدوث الصورة الجديدة في واقعك وتقبلها وتقبل وجودها ووجود كل ما يرمز إليها أو يرتبط بها

تقبل الصورة الجديدة:

كما سبق التأشير عليه فأحد الموانع في كل عمليات التقبل والتحرر من الشيء أو الشعور أو من المقاومة بذاتها هو عدم تقبل الصورة الجديدة أو الواقع الجديد والمختلف تماما أو نسبيا عن النمط أو الصورة النمطية التي تمت البرمجة عليها

إذا حدث وأن كان لديك انغلاق وعدم انفتاح واستقبال للصورة او الواقع الجديد فأعتقد أنك ما زلت تقاوم عملية التحرر من المعاناة وتقبل رحيلها، وهنا أنت تعلم جيدا ما عليك القيام به

تقبل الصورة الجديدة يساعدك يا صديقي على مواصلة رحلتك في الحياة بكل قوة ووعي وبانفعالات نادرة وتفاعلات حكيمة، لذا أنت ترى الآن تماما ما يمكن أن تربحه من خلال هاته العملية ومدى تأثيرها على واقعك، فالحياة ليست مبنية على الخطأ أو الصواب ولكن على تفاعلك معها واستجابتك لرسائلها فيهما، أما الوقوف طويلا عند كل كبوة فهو لا يحقق شيئا في واقعك سوى الألم والمعاناة

هو إذا التقبل وممارسة التحرر ما يساعدك على أن تنموا وتكبر في كل أبعادك، أرجوا لك رحلة موفقة