الطريق إلى الإنجاز؟
الطريق إلى الإنجاز يتطلب وضوح الرؤية، التخطيط الفعّال، الالتزام المستمر، والتكيف مع التحديات. يعتمد على الانضباط، والإصرار، وتطوير المهارات لتحقيق الأهداف بوعي وثبات...
عبد النبي بكون


سبق مني في مقالة سابقة الحديث عن مسألة الرضى وعدم الرضى لدى الإنسان، وقد فصلت فيها بما يكفي ليعلم المرء متى يكون هذا ومتى يكون ذاك، وفي الحقيقة مسألة الإنجاز هاته تأتي كعنصر فاعل وأساسي في تحقيق الرضى الذاتي لدى الإنسان، فكيف يمكن أن يكون المرء منجزا وبفعالية؟ هذا ما يأتي الجواب عنه هنا في هاته المقالة شبه المطولة، آمل أن لديك الصبر الكافي لتقرأها حتى النهاية لتتشبع بمبادئ الإنجاز العظيمة التي بين يديك الآن
المبادرة وليس التأجيل
أول ما عليك تعلمه في مسألة الإنجاز هو أن تبادر دوما وليس أن تؤجل ما عليك القيام به مهما كان ذلك، طبعا أنا هنا أتحدث منطلقا من خلفية الوعي وليس الإيكو، فالإيكو يؤمن بعامل الوقت أو الزمن، لكن الوعي يؤمن بالعطاء والتوسع، وهذا ما يتنافى مع موقفي الإيكو في التأجيل وفي المبادرة خوفا من ضياع الفرص أو الوقت أو فوات العمر إلى ما غير ذلك من دوافع الإيكو المتضاربة والمتناطحة
فحين تكون المبادرة بنية العطاء والتوسع يحدث المستحيل في واقعك، إنك بذلك في حالة انسجام مع مكون هذا الكون، ولعل ما يبطئ حركة الكثيرين هو عدم الوعي بذلك، ونحن حين نتحدث عن الوعي باللحظة الآنية فهو إضافة للمراقبة والانتباه الذين سبق الحديث عنهما في العديد من المقالات لدينا هنا عامل البدء في الآن وليس التأجيل الذي يتنافى مع الآن أو اللحظة الآنية التي هي في الحقيقة الوحيدة التي بين يديك، فلم نهدر ما هو متاح الآن إلى الذي ليس بين أيدينا!!
التعلم من الفشل وليس رفضه
من الطبيعي جدا أن يحدث معك الفشل لأسباب عدة ومتنوعة لكن الذي ليس طبيعيا ولا عاديا هو أن تمر عليك تجارب الفشل دون أن تستفيد منها لأبعد الحدود
يحاول الكثيرون مقاومة ورفض الفشل متجاهلين بذلك أعظم الهبات التي يحملها إليهم، الدروس والقدرة على استيعابها بدل الغضب والحنق تجاه كل ذلك
تستطيع أن تبدأ بتجربة حب الفشل لتنفتح على عالم كبير جدا من احتمالات النجاح اللامتناهية، فقط جرب أن تمارس أمورا مختلفة عن أحكامك وعاداتك ومواقفك التي أثبت لك الزمن انعدام فاعليتها
تقدير حقوقك المالية
في بداية تعاملي مع المال لا أخفي أني قد استهنت كثيرا به ولم أقدره، وكنت سريع التنازل عنه وكثير الاستخفاف به، ولم أنتبه بعد زمن كيف أصبح الحصول على المال بالنسبة لي صعبا، لكن من لطائف الرحمان بي أن خضت مسار الوعي، الذي علمني أن الاستخفاف بالمال يجلب على المرء الكثير من الصعاب والضغوط، فقد قاسيت وعانيت من صعوبات أداء مستحقات الكراء ومن الانفاق على أسرتي وتعرضت للكثير من الاهانات ممن علا أو دنى شأنه، لا ألوم في ذلك أحدا إذ كنت أنا المسؤول عن كل ذلك، وقد كانت البداية استهانتي بالمال، تعلمت جيدا أنه لا يمكن للمرء أن يستخف بطاقات ونعم مسخرة، وأن فعل ذلك لن يمر عبثا، لذلك وضعت هنا الفقرة التي تتحدث عن تقدير حقوقك المالية وعن كونها أمانة بعنقك عليك رعايتها حق رعايتها، آمل وأرجو صادقا أنك تأخذ العبرة في هذا الأمر ولعل لك في واقعك سوابقك تعلمك بذلك
التركيز
في الحقيقة موضوع التركيز هذا لا يمكن حصره في مقالة من أسطر معدودة، وأنا هنا أود الحديث تحديدا عن مسألة التركيز عما تريده وليس ما لا تريده، سيحدث أن يجتذبك الايكو للتركيز على ما لا تريده، لكن ذلك لا يقدمك نحو هدفك أو نيتك مقدار أنملة، لذا لا ضير أن تبقى يقظا منتبها مركزا على الذي تريده
يساعدك التركيز على التقدم بثبات وذكاء أيضا ويجعلك منفتحا على الطرق السهلة والأكثر فعالية وفاعلية في تحقيق النتائج على مستويي ما تحله من مشاكل وما تغنمه من نتائج مالية واجتماعية ومشاعرية وروحية
التخيل
يمكن برمجة عقلك الباطن من خلال التكرار للصورة الذهنية الواضحة لهدفك أو نيتك مع الكثافة الحسية اللازمة، إنها عملية تساعد عقلك الباطن على العمل بانسجام معك لتحقيق النتيجة النهائية، لكن المفتاح هنا هو خلق سيناريو النهاية المرجوة وليس سيناريو الكيف فمسألة الكيف تبقى قاصرا ومصدرها العقل المحدود في حين أن عقلك الباطن كما سبق يعمل وفق احتمالات غير محدودة وغير متناهية، لذلك أنت هنا تمنحه الصورة النهائية فقط وتمنحه الفرصة للعمل عليها بما يلزم، فقط ثق بذلك وانتبه لكل الإشارات التي ترد عليك منه
الايمان
يتطلب الأمر مثلما سبق تكرار عملية التخيل على الأقل مرتين خلال اليوم ويتطلب أيضا الايمان، لا أريد الحديث عن الايمان من منطلق ديني ولا من منطلق تحفيزي أو مهما كانت أشكاله بالنسبة لك أنت، لكني أتحدث عن إيمانك بأمرين: الأول الايمان بما تريده والثاني الايمان بتحققه
انعدام أو غياب هذا الايمان يشكل التناقض الصارخ بين مكوناتك الأربعة فالجسد والعقل قد يعملان معا على الهدف لكنهما في تصادم مع القلب والروح، ولو أنه حدث هذا التصادم مع واحد منهما فقط فقد كان يكفي لحصول معركة داخلية أحد نتائجها فشلك في تحقيق ما تصبوا إليه، وسيكون كل ما تقوم به غير ذي جدوى
يمنحك الايمان بما تريد وبتحققه أو أفضل منه القوة أو إن شئت سمه الوقود اللازم والكافي لك لمواصلة المسير رغم ما قد يعترض سبيلك من هراء العقبات والحواجز، سيكون عليك أن تكون مستعدا للتخلي عن كل الشروط التي تضعها، وسيكون عليك أيضا القيام بما لم تقم به من قبل، وصدقني يبدوا ذلك صعبا شيئا ما لكنه مع الايمان ممكن ويسهل تجاوزه
التخطيط
لا أرمي هنا للحديث عن الخطة العملاقة والمفصلة الواضحة لهدفك الكبير بقدر ما أقصد الحديث عن التخطيط ليومك، فالتفاصيل الصغيرة الدقيقة والأهداف اليومية المجزأة عن هدفك الأساس أو المؤدية إليه تسهل عليك مسألة المبادرة والانجاز تلك التي سبق الحديث عنها في مقدمة المقالة
يكون التخطيط ليومك بسؤال: ما الذي يمكنني القيام به اليوم ويقربني من هدفي؟ وسؤال آخر يوقظك من الشرود: هل ما أقوم به الآن يساعد في تجلي نيتي؟
تساعد الأسئلة عقلك اللاواعي على العمل والاشتغال على تحقيق النتائج وإيجاد ملايين الحلول للإشكال أو العقبة الواحدة، لذلك أخبرك أن السؤالين السابقين مجرد البداية فقط فنحن لنا عودة معمقة في مقال منفرد يتعلق بطرح الأسئلة التي تحفز عقلك الباطن للعمل بانسجام وتناغم معك
التحرر
في مسألة التحرر لا أريد الاطالة حقيقة إذ سبق الحديث عنها مطولا في مقالات سابقة، لكن لا بأس ببعض التذكير بالتحرر من الإنتظارات والتوقعات، فما سيحدث لابد أن يكون خيرا وفي صالحك وليس وحدك بل في صالح الكل
والتحرر هنا بمعنى آخر التجرد من التعلق بنتائج معينة أو بالأهداف لذاتها، وأنت لا يسعك فعل شيء حيال النتائج، والتعلق يعقد عملية تحقيق النتائج ويؤثر عليها بشكل سلبي من خلال كل مشاعر القلق والخوف أو التردد والشك وغيرها من ألعاب الإيكو الماكر التي تظهر لك على أنها حرص واقدام أو إقبال في حين أنها مثبطات لا تفعل بك شيئا سوى العودة للخلف بعيدا عن نيتك
المسألة إذا هي أن تبدأ تمارس التسليم بالنتائج لمولاها وتتحرر أنت من رغبتك في التحكم والسيطرة أو رغبتك في الشعور بالأمان، وهي بعض من مجموعة رغبات سبق الحديث عنها في مقال آخر بالتفصيل
هكذا تستطيع أن تخوض بحر الإنجازات المتنوعة والهائلة وأنت أكثر اطمئنانا وامتنانا
المكافأة
بطبيعة الحال تكافئ نفسك دوما حتى من خلال الأعمال التي تقوم بها للحصول على شيء ما، لكني هنا أتحدث عن مكافأة نفسها عند كل مهمة نجحت في القيام بها، وقد تكون الكافة امتنانا لنفسك أو هدية بسيطة أو عظيمة لا يهم، المهم أن تكافئ نفسك وتستمتع بإنجازاتك فأنت تستحق ذلك
أخيرا وضعت بين يديك هنا مجموعة خطوات بسيطة تستطيع من خلالها الاستمتاع بالإنجاز وحياة الحياة بشكل أفضل ومختلف عن كل الهراء الذي كنت غارقا فيه