الخوف، غولنا الوهمي!
الخوف، ذلك الوحش الذي يسكن عقولنا، ليس إلا وهما يتغذى على شكوكنا وضعف وعينا، في هذه المقالة سنكشف كيف يتحكم الخوف في قراراتنا، ولماذا يعد وهميا في كثير من الأحيان...
عبد النبي بكون


الخوف صديقنا العزيز ورفيق مشاورنا في الحياة والأنيس الذي يرفض التخلي عنا أو نرفض نحن أنفسنا التخلي عنه وإن كنا نراه غولا، غولنا الوهمي لم يجد لنفسه مكانة أو دورا في حياتنا فقط لأنه لم يجد ما يفعله، بل لأنه كان ولا يزال منبهنا وموقظنا من غفلتنا حين لا تكون أمورنا أو بعضها على خير
إننا نخاف ما يؤلم لأننا نجهل أن الألم مجرد تنبيه وإشارة لوجود خطر محتمل، ولولا وجود الألم لكانت حدثت معنا كوارث ومصائب لا يعلمها سوى الرحمان اللطيف بعباده
ونخاف ما لا نراه لأننا تعودنا الهروب دوما من اللحظة الآنية مثلما تعودنا إخفاء الشجاعة والعظمة اللتين نحن عليهما، نحاول التحكم فيما لا نراه وما لم يأت بعد في حين أننا نعجز عن التحكم والسيطرة على أفكارنا في الآن وحيال ما لا نعلم بأمره وهو في علم الله الحليم، ولو أن هذا المفهوم بذاته مجرد فكرة أخرى، لكني هنا أظهر حجم الخداع الذي تمارسه الأنا المزيفة بحقنا
كوننا لم نتعلم يوما شيئا عن التسليم وممارسة التسليم التي تمنحنا في الحقيقة الشعور بالأمن في حضرة المؤمن سبحانه، فإننا نخاف كثيرا وبشكل ويا للغرابة مخيف مما لا نتحكم فيه، وهذا فضلا عن محاولاتنا العديدة للسيطرة على الواقع أو ما يمكن أن يسمى بالواقع، وفي الحقيقة لا يحقق كل ذلك الهراء شيئا سوى جحيم الترقب المليء بالأوهام وضياع الآن الثمين
ونخشى المهم أو إن شئت قل ما نرى أنه مهم، في حين أنه ليس هناك شيء مهم وإن كان فأنت مهم وكلنا كذلك، لعلك لم تسأل ما الذي يجعل فلانا ما مهما؟! وما الذي يجعل أمرا ما مهما؟! وما الذي لا يجعلك مهما؟! بتأمل أن كل تلك الأجوبة التي سترد علينا ليست حقيقة نكتشف أننا نمارس لعبة قذرة بحق أنفسنا، نصع أصناما ونتخذها آلهة نظل لها عاكفين، لا تعكف لصنم ولا تعكف لأي كان ولأجل أي كان، يمكنك أن تعكف لأجل نفسك فقط من خلال تحريرها من كل الآلهة التي تعبد من دون الواحد القهار
إننا حين نمنح الأهمية بخشية المهم، نقلل من شأننا ونستصغر أنفسنا أمام مهما كان من وما نمنحه الأهمية
قد تستغرب هذا لكننا حقا نخشى ونخاف النجاح لأسباب عدة، من سوء حظنا أننا لا نعيها ونحن نفعل ذلك، ومن حسن حظنا أن هناك شيء اسمه التعلم، تلك الأسباب منها ما هو متعلق بنا ومنها ما هو متعلق بمن نحب ومنها ما هو متعلق بالبرمجيات الأخرى التي تعرضنا لها
إنك حين تبدأ مراقبة واقع الناس ستكتشف الكثير من الحقائق، وسيتأكد لك أننا كثيرا ما نكون نحن أعداء أنفسنا ولا أحد آخر هو كذلك، والغريب أننا نفعل ذلك بحسن نية
مثلما نخاف النجاح فنحن نخاف الفشل، ولنفس الأسباب في خوفنا من النجاح، وأيضا لضدها، إننا حين نتأمل ما نحن عليه من تناقضات سنسخر بالتأكيد من كل هذا الهراء
الحب، إننا فعلا نخاف الحب حتى من خلال اعتقادنا أننا نرغب في الحب، نفعل ذلك لأننا ببساطة لم نتعلم أن نحب أنفسنا أولا قبل أي شيء آخر ونمنحها كل الحب الذي تستحقه بسخاء، لكننا لم نتعلم ذلك وتعلمنا الكثير عن الحب المشبع بتعاليم الأنا المزيفة من لدن الاعلام والمدرسة والبيئة وحتى الأبوين
تخشى الأنا المزيفة أن نكتشف لذة الحب الحقيقي والذي تتحقق فيه نحن وليس أنا، لأن ذلك يعني فناء الأنا المزيفة وهي المتشبثة بحمايتنا مما يمكن أن يسبب لنا الألم ولو أن الألم الحقيقي يأتي منها هي نفسها من خلال ممارساتها السكيزوفرينية
مثله مثل ما سبقه من المخاوف يبقى الخوف من الرفض وليد تجارب وسيناريوهات ماضية عشناها واستقبلنا منها رسائل أبعد ما يمكن أن يكون عن الحكمة، يحدث ذلك لأن ما يحدث حدث لنتعلم حكما وعبرا وليس لنتلقى نحن الدرس من منظور قاصر وواهن
نحن حين نتعرض للرفض ليس يحدث ذلك لأن فينا ما يستدعي الرفض، ولكن لربما ليس في الآخر خير لنا وقد يكون مثار نقمة علينا أو قد يكون في انتظارنا ما ومن هو أفضل لنا، لكن الأعظم من كل ذلك أننا لا نتعرض للرفض إلا إذا كنا نحن نرفض أشياء فينا أو نرفض كلنا وليس فقط بعضنا، ويحدث رفض الآخر لنتذكر أنفسنا ونستكشف إذا ما كنا نرفضها أو بعضها
الخوف من العوز والقلة يحدث فضلا عن البرمجيات السابقة التي تحدثنا عنها من قبل بسبب مورثات الندرة والعوز والقلة والحاجة المبرمجة في خلايا أجسادنا، والذي يجد لديه حالة الخوف من العوز والقلة يغيب لديه حضور الله الغني المغني الرزاق الوهاب المنعم الكريم الرحمان الرحيم اللطيف بعباده، لكن من حسن حظه أنه يستطيع أن يتحرر من خوفه الوهمي، فلو كان حقيقة ما كان يمكن التحرر منه، وهو عليه أن يختار ما بين الحق سبحانه والوهم الذي يتربص به مهما كانت أسبابه ودوافعه، فلحظة الاختيار تحدث الفارق وتوقف النزيف
لكنها تبقى كلها تلك المخاوف صاحبة الأحقية في التواجد إلى أن نتذكر سبب حدوثها معنا فنتنظف منه ونتحرر منه ومن الأفكار والمشاعر التي ورثناها عنه، لأنه مثلما قال أحدهم يوما: فمن وما سمحت له أن يخيفك منحته حق السيطرة عليك
إنها فعلا تسيطر علينا بكل ما أوتيت من قوة وستزيد ما لم نستيقظ من خلال ممارستنا للوعي والاستمتاع بالحياة واختلاق الأعياد والمسرات
