كيف أتحرر من الإحباط؟

التحرر من الإحباط يتطلب تغيير النظرة للأحداث، والتركيز على الحلول بدل العقبات، من خلال تعزيز الإيجابية، والتعبير عن المشاعر، واتخاذ خطوات عملية، يمكن استعادة الدافع والتوازن النفسي

أوراق
أوراق

إذا كنت تعاني من الإحباط وكل تأثيراته وآلامه النفسية والجسدية عليك، فهي ليست دلالة على أنك لا تنجز أو تحقق شيئا في الحياة، وكذلك ليست دلالة على أنك لم تبلغ مقاما من المقامات، إنك حتى لو أنجزت ما أنجزت وحققت ما حققت وبلغت ما بلغت فهذا الشعور سيبقى لصيقا بك يلازمك أكثر من ظلك ما لم تتحرك في الاتجاه الصحيح وتتخذ لك الطريقة المناسبة لتعامل بها نفسك، وهي في الحقيقة تعتمد على أربع مبادئ أضعها في هذا المقال لتتحرر من الإحباط وتحيى حياتك بشكل أفضل، ذلك لأن أصل المسألة غير ما تبدوا عليه ولست هنا بصدد ذكر أسبابة، إنما أقودك مباشرة لرسم خارطة الطريق خاصتك وفق معايير محددة تمكنك من تجاوز ذلك الشعور وبأفضل احتمال

القيم:

مهما كان الذي تقوم به في حياتك فهو لا يمكن أن يشعرك بالرضى ما لم يكن لديك قيم تعرفها وتعتمدها في حياتك، فوجود القيم المرتبة الأولوية لدى الانسان يساعده كثيرا على التقدم بوعي وبخطوات ثابتة وذكية في مهما كان ما يعمل عليه، وهذا أمر مساعد وبقوة في التحرر من مشاعر القلق والإحباط التي يعاني منها الانسان الذي لا يدري من هو وما يريده ولا لما يريده!!!

لا يمكنك أن تتصور وتتخيل حجم التيه لدى الانسان حين يعتري حياته الغبش وعدم الوضوح

الامتنان:

بالنسبة لي ومن خلال تجربتي الخاصة ومشاركات الكثير من معلمي في هذا الموضوع، فالامتنان يعتبر الصديق الأوفى اليك في جميع أحوالك، إنه يحيي لديك حس الانتباه والتركيز على النعم وتقديرها، ويساعدك كثيرا على الوعي بحجم تلك الإنجازات الهائلة التي قمت بها في حين أن عدم الامتنان يعميك عن كل ذلك ويجعلك تستهين بنفسك مما يسقط في فخ الإحباط

ثم إنه يأتيك بالمزيد وهو جواب الإله سبحانه حين يقول ولئن شكرتم لأزيدنكم، إنه ليس وعدا لك مني أنا بل هو وعد عظيم منه هو سبحانه، وكما أن الوعي بالنعم وشكرها يزيد منها ويزيد من التركيز على المزيد منها فهو أيضا وبلا حول منك ولا قوة يقلل من تركيزك على ما ليس لديك إلى أن ينعدم الانتباه لما ليس لديك

لقد سبق في مقالات كثيرة الحديث عن القرار، والامتنان كذلك لا يمكن أن يتحقق في واقعك ما لم يكن بقرار حقيقي منك، أقول بالقرار الحقيقي وليس غير ذلك، وذلك يعني أن تكون مستعدا حين تحاول نفسك ترويضك وتمسك بزمامها أو لجامها فتنتبه وتمتن ويزيد تركيزها على كل الخير حتى ذاك الخفي أو المتلبس صورة الحدث السيء، هنا أنت لا تساعد نفسك على التحرر من الإحباط فقط بل إنك تساعدها أيضا على التحرر من كل مشاعر الحرمان لديك

وهو يقوي لديك أيضا هبة الصبر على الشدائد وما قد يبدوا مكارها وعلى المغريات الزائفة، فهل تذكر عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء شكر فكان خيرا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن، أخبرني إذا إن كان هناك مؤمنا غير ممتن أو شكور، إنك لن تجده أبدا فالممتن مؤمن آمن من كل ما يمكن أن يخشاه الناس

التسامح:

لا أريد هنا الحديث عن التسامح كقيمة إنسانية أو دينية ولا كعادة صحية يحافظ من خلالها المرء عن سلامته وصحته النفسية والجسدية والروحية، لكني ومع أنني لا أقلل من قيمة كل ذلك وأدعوا إليه كل إنسان يبغي السلام الداخلي فأنا هنا أتحدث جزء أهم من التسامح وهو أن يتعلم المرء مسامحة نفسه دوما، فلا شيء أشد علينا من قسوتنا على أنفسنا فهي لا تجلب علينا القلق والإحباط فقط بل كل ما يمكن أن تتخيله من ويلات نفسية وروحية ووجداني وجسدية وحتى اجتماعية وهلم جرا فهذا نزيف لا يتوقف

إذا لم يدرك المرء أن عليه يسامح نفسه على كل لحظات الضعف والهزيمة والفشل والعجز التي تعرض لها وسيتعرض للمزيد منها ما دام على قيد الحياة، فهو بالتأكيد لن يكتفي من المعاناة من الإحباط فقط! لذلك اسأل نفسك لم يجب أن تتمسك بما أنت عليه الآن؟ وما الضير في أن يتعلم المرء كيف يسامح نفسه وما الضير في أن يبدأ ذلك الآن؟!

التوسع:

كل شيء في هذا الكون هو في حالة حركة وتوسع حتى ما تراها انت جمادات، وبقاؤك أنت كذلك في حالة توسع ووعي بذلك يحررك أكثر من الإحباط، فكيف يكون هذا التوسع؟

الأمر بسيط جدا وليس مدعاة قلق لأنه ليس بحجم التعقيد الذي يصور عليه، فأغلب ومعظم الناس يعتقد أن عليه القيام بالأعمال الكبيرة والهائلة ليطمئن أنه يقوم بشيء ما، وذلك عكس الحقيقة فالأعمال الصغيرة جدا هي التي تحقق الإنجازات العظيمة والكبيرة جدا، كفعل كل شيء مما تقوم به الآن بزيادة يسيرة عما كنت تقوم به في الأصل، أو القيام بأشياء مضافة ومختلفة تماما عما ألفته، المهم أن تبقى في حالة حركة وأن تجد نفسك تحقق في يومك الكثير من الإضافات الصغيرة مستثمرا بذلك وقتا مهما كان يمكن أن يكون مهدورا على توافه الأمور، هذا المقال بين يديك الآن هو أكبر دليل على ذلك، فقد كان يمكنني كتابة مقال واحد خلال اليوم لكنني وجدت أني أستطيع كتابة مقال وأكثر في اليوم الواحد، فلم أكتفي بواحد، وهكذا يكون لدي فائض وقت مهم وحيز زمني يمكنني استثماره في اللعب مع ابنتاي في أوقات عطلهن مثلا، أرأيت لا شيء هنا مكلف وكل شيء في الأمر مربح جدا وفي عدة اتجاهات

من خلال هاته الرحلة الصغيرة أريدك أن تدرك أن مسألة الإحباط تلك مجرد هراء يمكنك تجاوزه إذا استعملت الأدوات المناسبة وهي متاحة بين يديك الآن ولا تكلف شيئا، أرجو لك كل التوفيق