متى تتجلى أنت الحق؟
.رحلة الإنسان نحو تجلي حقيقته تمر عبر الوعي والتحرر من القيود الداخلية، في هذا المقال، نستكشف اللحظات التي يظهر فيها الإنسان في أنقى صورة له، وكيف يمكن الوصول إلى هذا التجلي العميق للكينونة الحقة
عبد النبي بكون


في خضم الانسياق أو التدفق عبر مواقف الحياة ولأننا غالب الحال نكون أبعد ما يكون عن اليقظة أو الفطنة قد تتعثر أرواحنا في متاهات الوجود وقد تكون أكثر عرضة لإغراء المعاني، فنظل نبحث دائما عن تعريفات جاهزة تحدد من نحن وما هدفنا في هذا الوجود، بينما الحقيقة جلية فكل ما يعنينا مما نبحث عنه هو ما يتفق مع أمانينا لا ما يتوافق مع حقيقتنا، ولو أن أمانينا كانت هي حقيقتنا لتجلت ولما هيمنت على الوجود المشقة ولساد اليسر والتوفيق كل شأننا، لكن أمانينا تصبح بغير وعي حقيقة مقدسة تتجاوز حقيقتنا الحقة التي تفوق كل أشكال الوصف والتصنيفات البشرية، وذلك لأن المسألة حسمت حين قال الخالق: ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم
إن الروح نفخة الله فينا لا تعرف حدودا ولا تقييدات ولا تقدس معان، بل ترتبط بالأسمى والأعظم بفضل الكريم وهي ليست بحاجة إلى مرايا لترى نفسها، فهي تعرف الحقيقة وتعرف الطريقة، لكن الأنا هي من تحتاج إلى عيون عاجزة لا تستطيع رؤية ما لا يرى فلا تدرك الجمال ولا الحقيقة، فكيف للأنا أن تحدد المصير؟
في الواقع لا تستطيع الأنا سوى تعطيل المصير وإعاقته، أما في العمق حيث يحدث التوافق مع الروح فتنبثق القوة الحقيقية، قوة تتجاوز الظروف والمحن وتجعلنا في غنى عن تحدي الصعاب ومواجه التحديات، بل وتغنينا عن مفاهيم قاصر كالصمود والثقة بالنفس لأنها تعلم بأنها حول العاجز، وإنما القوة تأتي من القبول بهبة الله والاستغناء عن كل ما تقدسه الأنا، إننا في هذا الوجود لغايات عظيمة ولكل واحد منا دوره الخاص في هذا الكون الواسع يسهم من خلاله في تحقيق المزيد من أشكال ومظاهر التوسع، وإن كان هذا هو الأمر فبالتأكيد قد منحنا الأدوات اللازمة لتحقيقه وسخر لنا العون الكافي في هذا الشأن
إننا عندما نفهم حقيقة تجاوز الأنا نتحرر من قيود النفس ونطلق سراح قدراتنا الحقيقية الكامنة ونستغني عن عمليات البحث المزيفة عن هويتنا في المرايا ويكفينا أن نتوقف عن المقاومة وندع ذلك يحدث، لأننا وبدون ما نعرفه عن أنفسنا وبدون من نقول عنه هذا أنا وبدون ما نحدد به أنفسنا نتجلى في هيئتنا الحق الأكبر بفضل من الله من كل ذلك