تجاوز الوعي الخطي
إن تجاوز الوعي الخطي الذي يقتصر على التفكير المنظم والمتسلسل، وكيف يمكننا فتح آفاق أوسع من الفهم والإدراك هو ما نستعرضه هنا لتوسيع الوعي نحو مستوى غير محدود، يساعد على رؤية الواقع من منظور أعمق وأكثر شمولية
عبد النبي بكون


عندما نتحدث عن تجاوز الوعي الخطي ونقول بأن الكون غير خطي فإننا نتحدث عن احتمالات غير متناهية من التفاعلات والأحداث التي تتداخل وتتشابك بطرق لا يمكن التنبؤ بها بالضبط، فوضوية ومنظمة في الآن نفسه بشكل يتجاوز حدود العقل وقدرته إلا أن يسبح الله وفقط، ولأجل ذلك فعندما نشير إلى أن اللحظة الآنية هي التي تحدث الفارق، فلأنها هي الإمكانية الوحيدة التي لدينا لنحدث ذلك التأثير والتغيير في واقعنا
إن تلك الفوضوية موجهة بشكل رهيب لأجل تجلي البشرية وهذه التجربة الأرضية في أفضل احتمالاتها، واللحظة الآنية وحالنا فيها واختياراتنا فيها هي مدخلنا وهي جسرنا لتكون هذه التجربة مستحقة الحمد، أنا أعرف بأنك لطالما سمعت بأن حياتك هي نتاج القصة التي تقص على نفسك، والواقع إن هذا لا يحدث في زمن غير الآن، إن كل قصص الحياة يمكن أن تتوقف عندما تجد نفسك في الآن وتحدد منطقك ووجهتك في هذا الواقع فإن كل لفظ من القول لديه رقيب عتيد، أولم يقولو بأن القدر موكول بالمنطق؟
نحن نقوم بقص قصصنا الخاصة ولا نلقي اعتبارا لمدى تأثيرها على حياتنا، بل ويمكن أن نفعل ذلك ونحن نتلذذ بالدراما التي نعيش ونخلق بغير وعي منا غالب الوقت، هل يعقل أن يكون هناك من يتمسك بالعيش في دراما التقييدات والتحديات المعقدة والمربكة؟
يمكن أن يبدوا ذلك مثيرا للاشمئزاز لدى الكثيرين، لكن حين تخبر عوالم النفس وتغوص فيه وفي دوافعها وأسبابها الواعية منها والخفية منها فإنك بالتأكيد ستقف مشدوها أمام هذا الوضع، إننا نعلم بأن الكثيرين يجهلون هذه العوالم والأبعاد ولأجل ذلك تجدنا نلح في التركيز على الآن وعلى الوعي في هذا الآن، لأن ذلك الآن هو الحظة المناسبة لإعادة تشكيل واقعك واختيار خيارات جديدة وتغيير وتوجيه القصة نحو مسار يتفق مع من أنت حقا، وبينما تقوم بذلك اطمئن إلى أن تلك الفوضوية والعشوائية لن تكون إلا عامل نصرة لك، فملكوت الله وبفضل من الله ونعمة يوفر لك الموارد والفرص والإمكانات المناسبة لتجلي النسخة الجديدة في الوقت المناسب
إن مفتاح تشكيل هذه القصة الجديدة يكمن في التخلي عن القيود الوهمية التي نفرضها على أنفسنا والتي قد تكون غالب الأمر مجرد تصورات ناجمة عن سوء فهم لأنفسنا ولهذه التجربة الأرضية، بطبيعة الحال تلك التصورات لم تأت من فراغ بل إنها تأتي من أرشيفنا الذي ورثناه والذي اكتسبناه خلال هذه الرحلة، ولأجل ذلك كنت ترانا نلح على التشافي وعلى الحضور في هذا الآن، لأننا عندما نتخلى عن هذا الأرشيف ونطلق سراحه فإننا نتجاوز تلك الحواجز التي نفرضها بغير وعي عن أنفسنا، تنالنا العناية الإلهية ونجد أنفسنا أثناء ذلك قادرين على اكشاف إمكانات جديدة ومستويات جديدة من أنفسنا
إن هذا الحضور في هذا الآن يتطلب أن تكون هناك يقظة للذهن وفطنة بطبيعة الحال، لأن الأنا تحن للقيود والنسخة القديمة التي تقيد قدرتنا على التوحد مع ملكوت الله حتى نصبح قادرين على تشكيل حياتنا وخلق قصة تتفق مع حقيقتنا ومشيئة الله لنا، يكفي أن نفتح قلوبنا وعقولنا لتلك الاحتمالات ونسختنا المثالية حتى نرى عجائب قدرة الله شأننا، فقط من الجيد أن نتذكر بأن هذا الكون غير خطي وإن كان هذا حاله فلا يعقل أن نتعامل معه أو ننظر إليه بعين الخطية لأنها متجاوزة ومتخلفة كلغة يمكن أن نتواصل من خلالها مع ملكوت الله