كيف أصلح حياتي وأتقبل الماضي؟
إصلاح الحياة وتقبّل الماضي يتطلب الوعي بالذات، والمسامحة، والتعلم من التجارب السابقة دون التعلق بها. من خلال إعادة برمجة الأفكار، وتبني نظرة إيجابية، يمكن تحقيق التوازن والسلام الداخلي
عبد النبي بكون


في موضع سابق تحدثت عن الشعور بالذنب وجلد الذات، والآن أود أن أتحدث عن اركاب الأخطاء في الحياة وعن حياة الحياة بطريقة خاطئة، ليس هناك توافق بين الأمرين بل اختلاف جلي، لكن سوء التقدير والخلط بينهما هو ما أسقط الكثيرين في براثن الندم والحسرة وجلد الذات
إن حياة الحياة بطريقة خاطئة هو أن يشبه يومك اليوم أمسك أمس، نفس العادات والروتين ونفس الأفكار ونفس الممارسات للحصول على نفس النتائج التي تبقيك في نفس المكان الذي كنت فيه منذ أمس والذي قبله، لا جديد يذكر ولا استثناء يشكر
إنك تسمح بالروتين في جميع أحوالك لكنك لا تسمح به في تحقيق النجاحات، عجيب أمرك أليس كذلك؟
اننا نمارس الهرب دوما من أنفسنا دونما إدراك لذلك، لكن نحمد الله الحليم على تلك الإشارات التي تأتينا منه سبحانه وتعالى، صحيح أنها أحيانا تكون إشارات صعبة وشديدة، لكنها تأت لتوقظنا من غفلتنا وسباتنا العميق، فنحن لم ننتبه لسابقاتها اللواتي مررن علينا، وتعاملنا معها كالريح العاتية لما مرت بنا فرحنا وقلنا مرت بسلام
اننا نختلف حقا في سيناريوهاتنا وهذا أمر طبيعي مسلم به لكننا نتجاوز ذلك ونختلف أيضا حتى في نياتنا التي كان يفترض أن تكون متناغمة ومنسجمة مع النية العظمى لمكون الكون، ومع ذلك لم نسأل عن مصدر كل تلك المشاعر السلبية التي تأتينا ولم نتعلم أن نسأل أبدا هل نحن راضون عن حياتنا وعن نتائجنا فيها أم أننا كمن يقبل بسلة دون عنب مثلما نقول نحن هنا في المغرب!!
تقبل بالوضع لأنه لديك أكل وشرب ومكانا تنام فيه، هل حقا تصدق هذا؟ ما زلت أذكر أن أحد الساسة الذي كان يترأس إحدى الحكومات العربية قال يوما في تصريح صحفي إن المواطن اليوم يفتح الصنبور ليخرج الماء ويضغط على القابس لينار الضوء، وفي إحدى خرجاته التالية لذلك يخبر مواطنيه أن لدى البلد ما يكفيه لتغطية احتياجاتهم من البيض!!
لا أريد الخوض في تفاصيل هذا الخطاب وحجم الاستهتار والسخرية والاستخفاف فيه بعقول الناس، لكن ما أود قوله هو هل أنت منتبه الى ما يفكر به أمثال هؤلاء الذين تضع مصيرك بين أيديهم وتتوقع أن يقوموا بما سيقومون به لأجلك؟
يخبرونك أن البيض متوفر ويجب أن تمتن لذلك!! انني حقا ممتن لوجود البيض ولانعدام وجوده، وأنا ممتن أيضا للكهرباء وللشمع وللماء في الصنبور وفي البئر مثلما أنا ممتن للحظة التي أدركت فيها حجم التقزيم والبرمجة التي تحاولون ممارستها علينا
إنك باطمئنانك الى ما يوجد في ثلاجتك ومرقدك تستجيب لمثل هؤلاء، وأنت هنا تختار أن تحيى حياتك بشكل خاطئ، انني أدعوك فعلا الى تقدير النعم التي لديك كما أدعوك الى عظيم الامتنان لوجودها ولموجدها، لكن أدعوك أيضا ألا تقبل بالمستوى العادي من التفكير وأن تسمو بالشكل الذي يجعلك تستجيب لمكونهم جميعا فتسمح بتناغم وانسجام نيتك مع نيته
عدم القبول الذي أدعوك هنا الى ممارسته ليس هو رفض الأشياء لذاتها ولكن أنبهك أن تركن لما دون مستواك في الوقت الذي أنت فيه كيان قادر على أن يخلق المعجزات ويحقق المستحيل
لا أريد لك أن تجلس بعد أربعين سنة أو أكثر أو أقل على حجر بجانب أحد البيوتات لتندب حظك أو تعيد اللازمة التي كررها الآخرون " آه أيتها الأيام .... أخ أخ أخ "
صدقني إن الذي ساعدني على التصالح مع ذاتي وتقبلها وحبها سيساعدك أنت أيضا على أن تحدث الفرق في هاته الحياة وتكون بصمة في حياة الكثيرين، آمل وأرجوا أنك تتخذ القرار المناسب لك، وأرجو لك رحلة سعيدة في ذلك
في الأخير أذكرك بواحدة من أروع سلاسل وأفلام الرسوم المتحركة التي شاهدناها ونحن صغار وأعدنا مشاهدتها في الكبر مرات ومرات عدة، في نهاية فلم الرسوم المتحركة الذي يحكي قصة ماوكلي فتى الأدغال الذي فقده والديه في الغابة وتبنته الذئاب، يخبره الزعيم أكيلا المحتضر أنه يحبه بقوة ويقدر انسانيته التي جعلته لا يتخلى عنه بل ويعتني به وهو في لحظاته الأخيرة
ماوكلي أنت تعتني بي...، يقول الزعيم المحتضر
لن تموت إنني أحبك كما كنت أحب أبي الذئب وان فقدتك فمن سيهتم بي؟ يجيبه ماوكلي في لحظة ممتلئة بالمشاعر المتضاربة والمختلطة
يرد الزعيم: اسمعني، الذئب ليس أباك وإن أرضعتك ذئبة فأنت من البشر وستعود يوما ما إليهم
في ذهول من ماوكلي وفرائسه ترتعد يقول: لا
ماوكلي إن حياة البشر لا تشبه حياة الحيوان، أنت الآن رجل وذلك يعني أن لك حياة يجب أن تستمر مع بشر آخرين مثلك، إنها الحقيقة يا ماوكلي......... ماوكلي أيها الوفي يا رضيع الغاب
يخبره الزعيم أنه رجل وأنه يحبه كي يدرك أنه ليس يرغب في التخلص منه ولكن في أن يحيا بالشكل الذي فيه استمرارية النوع
لكنني لا أعرف أحدا خارج الأدغال، فقد كبرت هنا ولذلك سأبقى هنا، لن أخرج من الغابة، لن أخرج أبدا يا جدي، سأبقى معكم
أنت مخطيء يا ماوكلي ستجبر يوما على الخروج، أجل إن ماوكلي البشري الذي في داخلك سيقودك يوما الى خارج القطيع ويعيدك الى عالم البشر الذي جئت منه، وسيناديك بأعلى صوته يا ماوكلي....، اسمع أخرج من القطيع أنت لست ذئبا أنت مخلوق آدمي، أنت بشر يا ماوكلي......، بعد ذلك تبدأ أنت من الداخل فتقول سأخرج سأخرج سأخرج من القطيع
يقاوم الفتى ويرفض ويكرر لا لا لا لا لن أقول ذلك أبدا
افهم... ستقولها يوما ما اسمع كلمتي الأخيرة قبل أن أموت .....، أنت إنسان.. أنت انسان
يدرك أخيرا بعد وفاة أكيلا حقيقته فيجمع القطيع ليعلن قراره بمغادرة القطيع ليحيا وسط البشر ومعهم
أنت أيضا ستخرج من القطيع، وستدفعك كينونتك الحقيقية لذلك، لأنها لا تنسجم أبدا في شيء مع الحياة بطريقة خاطئة، ووحده الخروج من القطيع يحررها