متى يصبح الامتنان عامل هدم؟

الامتنان يصبح عامل هدم عندما يتحول إلى وسيلة لتجاهل مشاعرنا السلبية أو لتبرير الوضع الحالي دون السعي للتغيير، وحين يكون مصدر ضغط يصبح أداة للجمود بدلا من أن يكون قوة تحفيزية لأجمل الحياة وتحقيق التحسين والنمو

الوعي الفائق

صورة تعبر الصلة بين القلب الممتن بحق ومولاه
صورة تعبر الصلة بين القلب الممتن بحق ومولاه


إييييييييه أيها السادة الكرام من كان ليصدق هذا...؟

إييييييييه أيها السادة، من كان ليتصور بأن قيمة موعودة بالزيادة يمكن أن تكون عامل هدم للبركة إذا ما تم تشويه بنيتها؟

أم هل كنتم حقا تتوقعون بأنه إنما هو عنوان لأجل جذب الانتباه؟

أيها السادة، لقد عملنا على الضغط على الناس بقوة لأجل أن يستشعروا الامتنان في حياتهم وحتى تكون مباركة وقد كان الحاصل هو العكس، أجل ومثلما أعلم صدق نياتنا فأنا أعلم أيضا بأننا يمكن أن نغرق في متاهات الحياة متناسين غاية الوجود وما يجعله وجودا مباركا دون أن يشوهه ضجيج حياتنا اليومية، قد ننسى.. بل سننسى حتى لحظاتنا الصغيرة من السعادة فأحراك أن نتيح ونفسح المجال لأكبر من ذلك، وقد صرنا قاب قوسين أو أدنى من فقدان مفتاح الاتصال بالجمال الموجود فينا ومن حولنا، إننا بالكاد نتذكر الامتنان فأحراك أن نفرق بينه والعرفان وأحراك مرتين أن يحدث لدينا الامتنان دونما تكلف

العرفان أيها السادة يجلب معه الشعور بالمدينية، وهو شعور ثقيل على الروح يعيق بهجتها ويمكن بشكل كبير أن يحدث خللا في علاقتنا بصاحب المعروف خاصة إذا حضرت لدينا رغبة عارمة في رد المعروف، وهو على العكس من الشعور الخالص النقي الصافي بالامتنان، فنحن عندما نشعر بالامتنان نعبر ببساطة عن تقديرنا لقيمة الأشياء والمواقف خاصة الصغيرة منها والتي قد تغيب عن انتباهنا، وفي المقابل نصرف انتباهنا بوضوح وبتركيز عال صوب أشكال الجمال في الوجود، إن الامتنان يمنحنا الفرصة لاختبار السلام الداخلي ويجعلنا نرى الحياة بعيون صادقة وليست مغرضة، وذلك يأتي كوجه من أوجه التنعم بالوجود والتي حتى التوفيق لها يستحق الامتنان

إن العرفان ليس هو الوجه الوحيد المشوه للامتنان، فهناك أيضا مسألة إرغام النفس الامتنان وإكراهها عليه وإلزامها به، يجب علينا أن نفهم بأن الاضطرار للامتنان يفعل هامش مقاومة أعلى ويمهد لانتكاسة كبيرة غير محمودة، وما يأتي بالإكراه يفقد قيمته الروحية ويصبح مجرد عملية ميكانيكية خاوية لا تفعل شيئا غير تكريس الأوضاع السيئة، وذلك لأن هناك مشاعر نقيضة للامتنان يتم قمعها بفرض الامتنان، وهي بالتأكيد مشاعر من حقها أن يتم احترامها والتعامل معها وليس إنكارها ومحاولة نفيها أو طمسها دون السماح لها بالكشف عن نفسها

إن الامتنان الصادق خيار وما يأتي بالإكراه لم يكن ليكون خيارا قطعا، وهكذا فبعد التعامل مع المشاعر النقيضة يمكن أن يكون هناك اعتراف حقيقي بالقيمة والعطاء الذي نتلقاه من الآخرين ومن الحياة نفسها وبكل أفضال الله علينا فالله لم يقبل يوما أن يعبد بالإكراه أيها السادة الأجلاء

يريد الله بكم اليسر وطريق اليسر خفيف لطيف بينما يشكل الاضطرار للامتنان نوعا من العبء النفسي والثقل على الروح، ونحن قد اكتفينا من الشعور بالاضطهاد أو الضغط، وقد آن الأوان لتكون هذه التجربة نفسها محفزا على المزيد من أشكال الامتنان، فإن ما يأتي بالإكراه تتشكل الظروف بشكل أو بآخر لإسقاطه بالإكراه ولعل في تقلب أحوال الأمم عبرة

لذا فمن الجيد التذكر بأن الامتنان الحقيقي تعبير صادق عن حال الرضى القوي الحر من رغبات الأنا وتحيزاتها الخفية أو المعلنة، الآن وبعد فهم هذا أيها السادة نستطيع القول بأن الاعتراف بالنعم يحدث تحولا عظيما يتجاوز عالمينا المادي والوجداني