هل يمكن أن يؤدي بدء العلاج مع معالج جديد إلى تفاقم أعراض الاكتئاب؟

الاكتئاب هو اضطراب نفسي يؤثر على المشاعر والتفكير والسلوك، ويتجلى في مشاعر الحزن المستمر، فقدان الاهتمام، والتعب. يمكن أن يؤثر على جودة الحياة ويتطلب دعماً نفسياً وعلاجياً للتعافي.

يعد العلاج النفسي أحد الأدوات الفعّالة في معالجة الاكتئاب، ولكنه في بعض الأحيان قد يسبب تفاقم الأعراض في البداية خصوصا عندما يبدأ الشخص العلاج مع معالج جديد، هذا التفاقم المؤقت في الأعراض ليس مؤشرا على فشل العلاج أو عدم فعاليته، بل هو جزء طبيعي من عملية الشفاء، وفي هذا المقال سنتناول الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا التفاقم المؤقت، وكذلك كيف يمكن التعامل معه والاستفادة منه في العلاج على المدى الطويل
1. الضعف العاطفي الناتج عن العلاج
عندما يبدأ الشخص العلاج النفسي يتعين عليه غالبا أن يفتح أبوابا مغلقة على مشاعر وأحداث قد تكون مؤلمة أو مؤثرة في حياته، هذا الأمر يتطلب مواجهة مشاعر الحزن، الغضب أو الخوف من مواقف سابقة قد يكون الشخص قد دفنها أو حاول تجنبها، وقد يؤدي هذا إلى ظهور هذه المشاعر بشكل أكثر وضوحا وتفجرها، مما يجعل الاكتئاب يبدو أكثر حدّة في البداية
من الطبيعي أن يمر المريض بتجربة عاطفية مكثفة عند فتح موضوعات حساسة مثل فقدان شخص عزيز أو صدمات سابقة، وهذا قد يؤدي إلى تزايد الأعراض الاكتئابية لفترة مؤقتة، هذه الزيادة في الأعراض تعد جزءا من عملية "تفجير العواطف"، وهو ما قد يؤدي إلى الشعور بمزيد من الحزن أو التوتر
2. مواجهة القضايا غير المعالجة
العلاج النفسي غالبا ما يهدف إلى استكشاف جذور المشاكل النفسية سواء كانت تتعلق بصدمات الطفولة أو صعوبات في العلاقات أو الشعور بالذنب والخوف، وذلك مع العمل مع معالج جديد قد يبدأ الشخص في مواجهة هذه القضايا غير المعالجة لأول مرة، هذه القضايا قد تكون مؤلمة ومزعجة، وقد يشعر الشخص بأن أعراضه الاكتئابية تزداد بسبب الحاجة إلى مواجهة هذه التجارب المزعجة
إن مواجهة هذه القضايا ليس أمرا سهلا، وقد يسهم في شعور الشخص بتفاقم مشاعر الاكتئاب، ولكنه في النهاية يعتبر جزءا من عملية الشفاء، إن تجاوز هذه القضايا هو ما سيسمح للشخص بالتقدم وتحقيق التحسن مع مرور الوقت
3. التكيف مع ديناميكيات العلاج الجديدة
قد يكون لدى الشخص توقعات معينة حول كيفية سير العلاج بناء على تجاربه السابقة مع معالجين آخرين، قد لا تكون الطريقة التي يتبعها المعالج الجديد مريحة في البداية، سواء كان ذلك في أسلوب التواصل أو طريقة معالجة المواضيع، هذا التغيير في الديناميكيات يمكن أن يشعر الشخص بعدم الراحة أو حتى القلق مما قد يفاقم مشاعر الاكتئاب مؤقتا
في بداية العلاج مع معالج جديد من الطبيعي أن يشعر الشخص بالارتباك أو القلق بشأن كيفية تعامل المعالج معه، وهذا قد يسبب شعورا بعدم الاستقرار العاطفي. التكيف مع أسلوب المعالج الجديد قد يحتاج إلى بعض الوقت قبل أن يشعر الشخص بالراحة
4. التوقعات العالية والضغط النفسي
في كثير من الحالات، يكون لدى الشخص توقعات عالية بشأن العلاج النفسي، ويتمنى أن يشعر بتحسن سريع من أعراض الاكتئاب وقد يؤدي ذلك إلى شعور بالإحباط عندما لا تأتي النتائج بسرعة كما كان يتوقع، هذه التوقعات غير الواقعية يمكن أن تعزز من مشاعر القلق والإحباط، مما يمكن أن يفاقم أعراض الاكتئاب
من المهم أن يتفهم الشخص أن العلاج النفسي هو عملية طويلة الأمد وأن التحسن يتطلب وقتا إذا كانت التوقعات غير واقعية، إن ذلك بالطبع سيؤدي إلى شعور الشخص بأن العلاج لا يعمل مما يزيد من مشاعر اليأس والإحباط لديه
5. عملية الشفاء قد تكون مؤلمة
في العديد من الأحيان يعكس التفاقم المؤقت في الأعراض بداية عملية الشفاء الحقيقية، فالعلاج النفسي يتطلب من الشخص مواجهة الجوانب المظلمة من نفسه، وقد يشمل ذلك معاناة مؤقتة من خلال التعرف على مشاعر قد تكون مكبوتة لفترة طويلة، هذه المشاعر المزعجة يمكن أن تكون بداية لعملية تحرير النفس من الماضي والتي قد تساعد في تحقيق التوازن النفسي في المستقبل
من الطبيعي أن يشعر الشخص بعدم الراحة في بداية العلاج عندما يبدأ في استكشاف أعمق مشاعره وتجارب حياته، لكن هذه المشاعر وبالرغم من صعوبتها إلا أن المرور بها  يعتبر خطوة أساسية نحو الشفاء والراحة النفسية الدائمة
كيف يمكن التعامل مع تفاقم الأعراض؟
إذا كنت قد بدأت العلاج النفسي مع معالج جديد وشعرت بتفاقم أعراض الاكتئاب، هناك عدة استراتيجيات يمكن أن تساعد في التعامل مع هذه الفترة الانتقالية:
التواصل المفتوح مع المعالج: من المهم أن تشارك مع معالجك مشاعرك بشأن تفاقم الأعراض، والمعالج الجيد سيستمع إليك ويعمل معك على تعديل الأسلوب أو إبطاء وتيرة العلاج إذا لزم الأمر
الصبر مع العملية: العلاج النفسي هو عملية تدريجية، ومن الضروري أن تكون صبورا مع نفسك، إذ قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتظهر النتائج المرجوة، ولهذا من المهم أن تتقبل أن التحسن يحتاج إلى وقت
ممارسة العناية الذاتية: خلال فترة العلاج يجب أن تحرص على العناية بنفسك جسديا وعاطفيا، فالتمارين الرياضية، التغذية السليمة والنوم الكافي يمكن أن تساعد في تخفيف الضغط النفسي وتعزيز رفاهيتك الروحية
البحث عن الدعم الاجتماعي: الدعم من الأصدقاء والعائلة يمكن أن يكون ذا قيمة كبيرة خلال هذه الفترة، تذكر أنك لست وحدك في هذه الرحلة والتواصل مع الآخرين قد يساعدك على الشعور بالراحة
ختاما، وعلى الرغم من أن بدء العلاج مع معالج جديد قد يؤدي إلى تفاقم مؤقت في أعراض الاكتئاب، إلا أن هذا لا يعني أن العلاج غير فعال. على العكس، هذه الفترة قد تكون جزءا طبيعيا من عملية الشفاء التي تحتاج إلى الصبر والمرونة، من خلال التواصل المفتوح مع المعالج، ممارسة العناية الذاتية، والتحلي بالصبر، يمكنك تحويل هذه المرحلة الصعبة إلى فرصة للنمو والتحسن في النهاية