متى يؤذي المرء نفسه؟
نناقش اللحظات التي قد يضر فيها الشخص نفسه دون أن يدرك ذلك، سواء على الصعيد العاطفي، النفسي أو الجسدي، نستعرض الأسباب التي تدفع إلى هذا السلوك وكيفية التعرف على علامات جلد الذات بالمعنى والتعامل معها بطريقة صحية
عبد النبي بكون


لطالما تحدثنا عن المعنى وخطورة توظيفه بشكل غير مناسب، وذلك لأنه يمكن أن يدفع بالمرء للاستسلام والانهزام أمام الحياة، ويمكن أن يدفعه للتسرع واتخاذ قرارات تضر أكثر مما يمكن أن تنفع، ويمكن أن يكرس العجز والضعف وقلة الحيلة، ويمكنه أيضا في الآن نفسه أن يخلق سلسلة احتمالات غير منتهية من الازدهار وذلك من خلال الموقف الذي تبنيناه حتى شكلنا هذا المعنى ومنحناه السلطة لتحديد مصيرنا، ويبقى السؤال الأساس: أنحن الفاعل أم المفعول به؟
إن أشد الجروح التي يعانيها الإنسان إنما يصنعها بنفسه، فعندما يتسلل وعي الضحية أو المفعول به إلى أعماق النفس يبدأ المرء في التشكيك في فرصه واحتمالات تأثيره، ولتتشكل دوامة الشك والتردد تجاه كل خطوة يخطوها في حياته تماما كالعاجز، وكلما انغمس أكثر في هذه الدوامة زادت حدة الألم والمعاناة
يتحدث الكثيرون عن مواجهة الذات بينما المشكلة لا تكمن في الذات ولا مواجهة الذات، بل في موقفنا من تفاصيل الحياة الذي يكون غالب الأمر أكثر قسوة وعنفا من أي شيء آخرة على هذه الذات نفسها التي حاولنا أن نصنع منها مشكلة أو أصل المشكلة، فالحياة وكما سبق القول كثيرا يمكن أن تكون مجرد مسار مستقيم يمتد أمام الإنسان، ويمكن أن تكون متاهة معقدة تحمل في طياتها كل أشكال المرارة والألم، ومن المعلوم بالتجربة والمراقبة أن ما كان من الممكن أن يشكل خيبات متتالية للبعض يمكن أن يشكل فرصا ذهبية للبعض، فأصل المسألة مرة أخرى هو الموقف
إن القوة الحقيقية تكمن في القبول وليس في الاستسلام المقنع بقناع التسليم والذي يمكن أن يكرس العجز بشكل رهيب، وفي القدرة على تبني الموقف المتفق مع المشيئة الإلهية، والقبول يعني أول ما يعني تقبل بنيتنا وحقيقة الحياة ومثل ذلك القبول بأن التسليم ليس هو التخلي عن السعي وإنما هو التدفق مع نهر التوفيق الخفي، أما القول بأنه ليس على المرء فعل شيء فهو موقف يمكن أن يؤذي أكثر مما يمكن أن يسهم في ارتقاء الوعي، ويبقى السؤال المهم والعامل كعنصر توجيه يمكن من خلاله التخلي عن الحول والقوة ونسب الفعل والفضل للذات هو: ما الذي يتطلبه الأمر، وما الخطوة المناسبة، وكيف يريد الله أن يستخدمني في هذا الأمر؟
إن الموقف الذي نتبناه في هذه التجربة يمكن أن يكون أخطر الطرق التي نؤذي من خلالها أنفسنا، ونشوه بها هذه التجربة المجيدة بدلا من أن نسمح لها بأن تكون كما هي تجربة مجيدة
