كيف أبقى متحفزا؟

البقاء متحفزا يتطلب وضوح الأهداف، والتركيز على التقدم اليومي، وتغذية العقل بمصادر إيجابية، من خلال الاحتفال بالإنجازات الصغيرة، والمحافظة على شغف التعلم، يمكن الحفاظ على الدافع والاستمرارية

صورة تعبر عن الدعم
صورة تعبر عن الدعم

يعتقد الكثيرين في مصادر التحفز الخارجية ويؤمنون بها، والحقيقة أن الأمر متعلق بك أنت وبباطنك، فلكي تبقى متحفزا لابد لك من أن تعمل على باطنك وعلى البرمجة التي بداخلك، لذلك سمحت لنفسي بالإطالة في هذا المقال ولم أركز أكثر على المقدمة لأتركك أنت كي تسبر أغوار هاته المقالة وتأخذ منها نصيبك لتبقى متحفزا، وكما ترى فقد اخترت أن أجعلها أجوبة لعدة أسئلة مهمة وقيمة

هل تصدق أن الرحلة مختلفة عن الهدف؟

يبني الكثيرون الكثير من الأماني والأمل حول الأهداف وتحقيقها، ظنا منهم أن تحقيقها يحقق لهم السلام والطمأنينة، وفي الحقيقة قد سبق إيضاح أن الأمر ليس كذلك، لم يكن يوما كذلك، إننا نمنح الأشياء أكثر من قدرها ونعتبر فيها ما ليس فيها وما ليست عليه

إننا إذا لم نتعلم أن الأهداف والرحلة إليها أمر واحد فلن نواصل أبدا التقدم في عملية النمو بنجاح، فنحن نغفل عن تقدير والامتنان لأهم مرحلة في عملية النمو وهي العمل للوصول والحصول على النتائج المرجوة، نخوض مسارنا وعيننا وكل تركيزنا على ما بعد المسار، ونغفل عن المسار بذاته

هذا المسار الذي يحوي الكثير من الإنجازات المهمة صغر أو كبر حجمها هو الحقيقة الوحيدة لديك، فهو المتجسد في واقعك الآن، والأهداف التي تغفل كل شيء قيم في هذا الآن لأجلها ليست حقيقة ما لم تتجلى في واقعك

من الجيد جدا ومن العظيم أيضا أن يكون لديك تركيز حيال أهدافك وسعي إليها، وأعظم منه أن تكون مستمتعا بالرحلة في شتى مساراتها ومحطاتها، باختصار شديد جدا تعلم ألا تتبرمج على تحقيق أهدافك بمشقة وعلى حسابك

إن اعتمادك لتوحد الرحلة الى أهدافك وأهدافك معا هو واحد من المفاتيح المهمة في هاته الحياة، حيث إن تضييعه والتفريط فيه يكلفك أكثر مما يمكن أن تصدق، وهو اعتبار إذا ما تبنيته كمبدأ تبقى ممتنا لليوم وللحظة الذين قررت فيهما واخترت ذلك

هل تتجلى الوفرة في داخلك؟

في الحقيقة ومن خلال ملاحظتي لتعامل الناس مع مفهوم الوفرة، وجدت أنهم أو أغلبهم يحصرها في المال فقط، في حين أنها مفهوم جلل وعظيم يشمل كل ما من الممكن أن يخطر ببالك، في الحب وفي الامتنان وفي الصفح والعفو، وفي غض الطرف والتجاوز، وفي السماحة والحلم، و... في الكرم والسخاء، وفي النباهة والبلاغة والذكاء والدهاء، وفي ... ماذا يمكن أن يكون أيضا!

إنها موجودة حتى فيما لا يعجبك أو يسرك أو ما يجعل منك مصدر شر وأذية، ووجودها لديك في هذا وفيما لا يسرك دلالة وجود ضدها لديك أو ما يسمى بمشاعر الندرة، سواء أكان ذلك في وعيك أو في لا وعيك

إذا فالوفرة واحدة من مفاتيح الحياة المتاحة لك بين يديك فإما أن تؤمن بها وتتعلم تسخيرها أنت حيث تميل من تميل ميلتها فيك نفسك أو روحك العظيمة، أو تغفل عنها فيستمر فيك التيه خارجا علك تجد دواءك وهو فيك وأنت لا تريد أن تراه

هل أنت في تناغم مع الكون؟

يتحرك الكثيرين منا بمعزل عن المحيط اللامحدود في كل ما من شأنه تقوية حركتهم ومنحها القدرة والتمكين حتى تكون أكثر فعالية وفاعلية وتأثيرا، حقيقة هذا الانعزال هو ما يجعلنا نقع تحت تأثير الدوامة، فنجد أننا نقوم بالكثير ولكن دونما تغيير أو نتيجة مرضية تسرنا، ونحن بذلك نضيع على أنفسنا الكثير من الإمكانات والطاقات المتاحة والهدايا العظيمة التي تكفينا مؤنة المشقة والصعوبة التي نلزم بها أنفسنا في مهما كان المسار الذي نخوض فيه

إن الدعوة للانفتاح ليست بطبيعة الحال هي أن تكون الكتاب المفتوح، أو الجريدة التي تتلقفها أيدي الكل، ولا المنزل المترع يدخله العادي والبادي

إنني هنا أوجهك الى الانفتاح على كيفية اشتغال الكون ومعرفة قوانينه مع تفعيلها في واقعك وتحقيق الانسجام والتناغم بينك وبينه، أقصد في الذي أتحدث عنه هنا السريان، كمثل ما يقوم به أولئك الحطابون الكبار في الجبال العالية والمرتفعات، يستثمرون وجود الارتفاع لتسهيل مهمة نقل قطع الخشب العملاقة حتى السفح، ويستثمرون وجود النهر لنقل نفس القطع العملاقة من مكان الى مكان آخر مستثمرين بذلك الجاذبية والسريان القوتان المتاحتان مجانا، ومتفادين أيضا إنفاق المزيد من المال في التحميل والتنقيل وحتى الوقت

إن المسألة تتعلق بالانفتاح على كل الاحتمالات التي يتيحها لك مكون الكون وبطبيعة الحال بنوايا منسجمة مع نيته العظيمة وليس بنوايا متضاربة ومناطحة ومناقضة للنية العظمى، وذلك مثل أن تجد نفس الأشخاص لا يتحركون أبدا بمعزل عن المحيط في كل ما يتصل بالإيكو، وذلك مثل ذاك الذي يرائي في أفعاله الحسنة وحتى السيئة ويا للعجب، ومثل من يرفض القيام بالشيء أو يقبل على القيام بالشيء كيلا يقال عنه كذا وكذا

الأمر كله في تحقيق الانفصال وتعزيز وتقوية الاتصال وهما الموضوعان اللذان يأتيان تاليا

ماذا يمكن أن يكون لو كنت منفصلا؟

يقابل مفهوم الانفصال في الذاكرة الشعبية بكثير من الرفض والنبذ، لما يرمز اليه من خسارة وشتات وتفكك و.....، سواء أكان الأمر يحدث في أسر أو دول أو مؤسسات أو شركات أو تجمعات بشرية فكرية أو مهما كان توجهها العام فهو رهين حالات لا يريد الناس أن يروا الخير المتجسد فيه أو الذي تحمله إليهم، في الحين الذي يكون هو البلسم الشافي والدواء الكافي، لتبرأ جراح وتتعافى قلوب وأرواح، ولتتحقق وقائع أفضل وتحصل نتائج أهم وأكبر وأكثر تأثيرا وأوسع

لكننا دوما متمسكون بكل ما هو مضمون، ونرفض الاقبال على غيره، نحن نخشى كثيرا المجهول وقد يكثر فينا العداء لما نجهله، والحقيقة أننا نتخبط في قمة الجهل، أليس التمسك بالمضمون هو بحد ذاته تمسك بالمجهول؟ ثم ماهي الضمانات التي لدينا بأن المضمون الذي هو بين أيدينا الآن هو خير لنا بعد ساعة من الآن أو سنة أو أكثر؟

إنني هنا أدعوك لتكون مستعدا للانفصال عن كل ما يقوض حركاتك ويربكها أو يجعلها عشوائية بلا نسق ولا تخدم نية معينة ان لم يكن من بواعثها الأمان

أدعوك للانفصال عن شراك الايكو وفخاخه والبحث عن الأفضل الذي لا يشملك لوحدك بل يتعداك لغيرك وأبعد من ذلك، الأفضل الذي يحقق لامحدوديتك ويسمح لك باستثمارها لأبعد الاحتمالات الممكنة، وتحقيق أعظم الاحتمالات الممكنة، والتأثير في واقعك من خلال الجهد المنخفض الذي يتأتى من خلال الفكرة العظيمة التي جاءت بها نظرية تأثير الفراشة، هل سبق أن رميت صخرة مسطحة بشكل أفقي باتجاه الوادي أو النهر أو البحر؟ انها تندفع بقوة لتضرب في عدة نقاط على سطح الماء مكونة بذلك مجموعة تموجات حول كل نقطة، الأكيد أن هذا يحدث من جهد واحد، رمي حجرة باتجاه الماء بشكل أفقي، الأكثر تأكيدا أن هاته التموجات المتتالية من جميع النقاط المختلفة تتلاقى معا في محطات مختلفة تماما

إن هاته الحالة تحدث في جميع الأحوال سواء أكنت متصلا بالإيكو أم منفصلة عنه، في الحقيقة ما زلت أنت من تختار ما تريد حقا، لذا فإنك إذا كنت تختار هذا الانفصال أدعوك للمواصلة الى المحطة التالية

كيف يتحقق الاتصال؟

يبحث الانسان دوما عن الاتصال بشيء ما أو الانتماء اليه، وهذا من فضل القدير علينا أن لم يجعلنا لنكون فرادى بل وجعل قوتنا في لحظات توحدنا، وضعفنا وهواننا في الانعزال والانفصال عن بعضنا البعض، مثل هذا الأمر يحدث للإنسان حين يتصل بالإيكو ويصر على التفكير في نفسه فقط ويتمركز حول ذاته

الاتصال بالإيكو له عاقبة وحيدة متعددة الأوجه والصور، فأنت هنا حقيقة تنفصل عن ذاتك العظمى وتبتعد عن النقاء الذي يحقق هاته الذات العظمى المتصلة والقوية بالذي هو أعظم، هنا يبقى السؤال هو ما الذي تختاره أنت؟

صدقني إن الاتصال بكل مكونات الكون ومنها كل أولئك الذين تعزل نفسك عنهم يظهر تلك البرمجيات الدفينة فيك، تلك التي تلقيتها وأنت في بطن أمك ومن بعد أن خرجت للوجود المادي ومن قبل أن توجد حتى، تلك المورثات التي أورثتها وجلبت عليك الكثير من البلوى، لا شيء يكشفها لك سوى الاتصال بالواقع المادي، فكلما اتصلت به ظهرت هي لتتطهر أنت حتى لا يبقى فيك الا الباقي وتتقوى صلتك واتصالك به، لذلك كان من الخطأ الاعتقاد أن الآخرين أعداء أو منافسين أو أشرار أو مهما كانت أحكامك وتصنيفاتك لهم وأحكامك عليهم، وحتى تلك الوقائع التي تعتقد أنها قاسية ومرة وصعبة عليك هي ليست كذلك، صحيح أنها تؤلم لكنها مثلها مثل الولادة لابد أن يكون هناك ألم، لكنه ألم يحررك ويمنحك حياة عظيمة ويساعدك أيضا على أن تمنح أنت أيضا المزيد من الحياة

لنعد لمثال الولادة فالمرأة التي تحمل في بطنها حملا لتسعة أشهر، الأمر بالنسبة لها مؤلم وشاق ومتعب ومرهق وممتع أيضا، ثم تأتي بعد التسعة أشهر لحظة الحسم حيث تتحرر من حملها وتمنح نفسها حياة جديدة مع كيان جديد كانت سببا في وجوده وسببا في وجود الكثير من الحيوات المتعددة الصور والأشكال والأوجه

إنه نفس الأمر الذي يحدث معك حين تسمح بميلاد العظمة التي بداخلك، والبداية الصحيحة تكون بالانفصال عن أحمالك وأثقالك التي تحملها الى أن تتحرر تماما منها فتصبح أنت السد المانع الذي يوقف تدفقات الماضي البعيد جدا وتعمل على توريث المستقبل صلة وعظمة تليقان به